[size=24] الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الكريم سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم وبعد،
لقد تابعت ورصدت مظاهر الحراك الذي دب في جسم الأمة المثخن بالجراح جراء ما رأت عيونهم وسمعت آذانهم مما نقلته إليهم وسائل الإعلام من تفاصيل المحرقة الإسرائيلية على غزة ولكن تابعت أيضا كتابات وفتاوى العديد من علمائنا ومفكرينا فمنهم من كان عند مستوى الحدث وبشاعة الجريمة فعاشوا الآم الأمة ورفعوا أصواتهم عالية مسدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم وهم الغالب بحمد الله رب العالمين، ولكن أيضا رأيت من بين هذه الآراء من علمائنا من أبعد النجعة في تقييم الأمور فجانبه الصواب، فتارة المظاهرات بدعة وفساد في الأرض وتارة المقاومة في غزة خارجة عن ولي الأمر- رئيس السلطة الفلسطينية!- والآن الحديث عن عدم جواز تفعيل سلاح المقاطعة (وهو محل حديثي)، وإنني لأعجب من هذا الكلام الذي يخالف العقل والنقل وذلك رغم صدوره من شخصيات كبيرة وعلماء أجلاء.
أين هذه الفتوى من المقاطعة الاقتصادية والتجارية التي قام بها الصحابي الجليل ثمامة بن أثال أحد سادة اليمامة والذي خرج من بيته كافراً يريد العمرة بمكة المكرمة وهو على شركه فاعترضته عيون النبي صلى الله عليه وسلم ورجالاته وأتوا به مقيداً وربطوه بإحدى سواري المسجد ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوار بينهما أسلم وتغير حاله وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجهته وهي العمرة فأقره عليها ولكن على نسك الإسلام وهدي محمد صلى الله عليه وسلم فكان أول من دخل مكة ملبيا تلبية التوحيد بعدما كان عمرو بن لحي قد الحق بها بعض ألفاظ الشرك ولما انتهى من نسكه وتحدث إليه قادة قريش وقالوا له صبأت يا ثمامة قال لا والله ولكني أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم وكان من كلامه _ وهذا هو الشاهد _ (.... ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكانت اليمامة ريف مكة فانصرف إلى بلاده ومنع الحمل إلى مكة حتى جهدت قريش وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلي إليه حمل الطعام ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صحيح البخاري رقم الحديث 4372 و زاد المعاد وفتح الباري وغيرهم ) بل إن هذه الوسيلة قام بها أعداء الإسلام من مشركي قريش في العهد المكي حيث حاصروا المسلمين ومن حالفهم من بني هاشم ودونوا ذلك ووثقوه وعلقوه على جدار الكعبة ألا تاخذهم بالمسلمين رحمة ولا شفقة حتى يسلموا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكان مما جاء فيها كما روى البخاري في الصحيح وابن القيم في زاد المعاد ( .... ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم ..... )
ثم إن المسالة أصلاً هي مجرد حديث عن وسيلة من وسائل المواجهة مع عدو محارب إما بشكل مباشر مثل إسرائيل وأمريكا أو غير مباشر مثل الدول الداعمة لهذا العدوان الجائر وذلك الاحتلال الظالم حكمها حكم كافة الأسلحة التي يستخدمها المقاتل.
فهل كان هناك وقفة من هؤلاء العلماء أمام الانتقال من حمل السيف إلى استخدام البندقية أو الدبابة أو الصاروخ أو حتى في العبادة المباشرة مثل الأذان من خلال مكبر الصوت بدلا من الصعود إلى مكان مرتفع والأذان بالصوت العادي رغم ورود النصوص على الهيئة والكيفية كورودها بالألفاظ المستخدمة إلى غير ذلك من الأمور
أما إذا أردنا الحديث عن جدواها فهذا أمر أصبح معروفاً للقاصي والداني ولسنا أول من يستخدم هذه الوسيلة في العصر الحديث فهي وصفة مجربة أتت أكلها لصالح كل من استخدمها سواء المسلمين أو غير المسلمين ولقد استخدمتها أمريكا في مواضع مختلفة أمام خصومها بل وصدَرت هذه الثقافة ودفعت بها إلى التطبيق على كل من خالفها وما حصارها لليبيا والسودان وإيران وسوريا والعراق لأكثر من عشر سنوات بل وخصومها من غير المسلمين مثل الصرب وكوريا منا ببعيد سواء هي أو منظمة الأمم المتحدة فلماذا يأتي ذات السلاح عند ويجد له من ينكره بل ولا يكتفي بالقراءة الخاطئة للواقع والتاريخ فيقول بعدم جدواها وإنما يذهب إلى ابعد من ذلك باتهام القائمين به والداعين إليه مما يفت في عضد المقاومة المشروعة الصادرة من أمة تخاذل قادتُها عن نصرتها أداء لمسئولياتهم وقياماً بدورهم فبدلاً من أن نجد علمائنا يستحثوا حكامنا على القيام بدوهم المنوط بهم وبدلاً من أن يرشدوا الأمة إلى واجبات عملية للنصرة إخوانهم المستضعفين حيث لم تجيَش الجيوش ولم يعقد لواء الجهاد
فليس أقل من أن نوجَه أمتنا إلى منع تقوية العدو من التنكيل بإخواننا بخالص أموالنا فتتحول أموالنا رصاصاً يعود في صدور إخواننا. أتمنى على سادتنا وعلمائنا رافعي اللواء وموجهي الأمة ومسموعي الكلمة أن لا يكتفوا بما ينقل إليهم من أراءٍ ممن لا يحسنون قراءة واقع الأمة المرير وأن يعيشوا آلامها ويشاركوها أوجاعها
* العضو المؤسس للتجمع الأوروبي لأئمة والمرشدين
عضو الهيئة الإدارية العليا لإتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا
الإمام والخطيب بالمجمع الإسلامي بمدينة ريجو ايمليا بالشمال الايطالي
[/size]