[size=24]حملة الاستعمارية الدائرة ضد السودان منذ سنوات تتزايد اليوم ضراوة، متسترة بشعارات حقوق الإنسان في "دارفور"، وممتطية المنظمات الدولية بغية اكتساب شرعية في استهدافها لذلك البلد العربي المسلم، واحتلاله ونهب ثرواته، وتفتيت أرضه، وتشريد شعبه، مثلما حدث مع دول عربية وإسلامية أخرى.
فقد أثبتت المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام "مورينو أوكامبو" أنها- بحق- أداة استعمارية تخدِّم على أطماع الدول الكبرى في العالم الإسلامي، وقدّمت دليلاً جديدًا يُضاف إلى عشرات الأدلة الدامغة على سياسات الكيل بمكيالين مع القضايا العربية والإسلامية، كما وجّهت ضربة جديدة إلى مصداقية المنظمات الدولية وانحرافها عن الهدف الذي أُنشئت من أجله في تطبيق العدل، والحفاظ على مبادئ القانون الدولي، والشرعية الدولية التي يتم تسخيرها جميعًا لصالح المخططات الاستعمارية.
إن سيناريو احتلال كل من أفغانستان والعراق يتكرر اليوم مع السودان، وهو السيناريو الذي تم حبكه بخبث ودهاء، وتم صبغه بالصبغة الدولية بعد وضع هذين البلدين في خانة المعتدين على الشرعية الدولية، وإيهام الرأي العام العالمي بأن القوات التي ذهبت لاجتياحهما، إنما ذهبت للدفاع عن الشرعية الدولية، وكانت نتيجة ذلك هي ما يشاهده العالم اليوم على أرض أفغانستان والعراق، حيث تم تدمير هذين البلدين وإعادتهما إلى نقطة الصفر، بعد قتل مئات الآلاف من الأبرياء، وتشريد الملايين، والسيطرة على مقدراتهما من قبل القوات الأمريكية، وكل ذلك بدعوى تحقيق الشرعية الدولية.. وذلك عين ما يسعون إلى تحقيقه اليوم في السودان، وإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير يعد الخطوة الأولى وستتبعها خطوات أخرى عبر مجلس الأمن لحشر السودان في خانة المخالف للشرعية الدولية، وعندها تتحرك جحافل الاستعمار الهمجي نحو هذا البلد العربي المسلم.
إن المخططات الغربية بقيادة الولايات المتحدة لاختطاف السودان تجري منذ استقلاله في 1/1/1956م، وقد تسارعت وتيرة هذه المخططات مع مجيء ثورة الإنقاذ عام 1989م، وانتهاجها الخيار الإسلامي، ثم تشبثها بهذا الخيار رغم الضغوط الكبيرة التي مورست على السودان بحصاره تارة، وتأليب دول الجوار عليه تارة، ثم التدخل لإشعال الحرب في الجنوب تارة، وأخيرًا التدخل لإشعال فتنة دارفور وذلك لزج هذا البلد في دوَّامة من الحروب والمشكلات سعيًا لإنهاكه وإسقاطه، ولكنه صمد وثبت على خياره الإسلامي، بل وواصل هذا النظام بقيادة البشير العمل على تحقيق استقلال حقيقي لبلاده واستقلال إرادتها قاطعًا الطريق على النفوذ الغربي بكل صوره، كما أنه رفض وبقوة أي محاولة لإقامة علاقات مع العدو الصهيوني، وفتح سفارة صهيونية في الخرطوم، وفي المقابل كان الدعم السوداني واضحًا للقضية الفلسطينية ولمقاومتها المنتصرة.
كما واصل السودان تنفيذ خطط تنموية ناجحة رفعت من مستوى الدخل القومي، وأحدثت نقلة في التنمية، ومشاريع البنية التحتية، والمشاريع الحضارية الكبرى، التي كان آخرها "سد مروى" العملاق، وكل تلك الإنجازات للرئيس البشير تعد مسوِّغات الاتهام الحقيقية له من قبل الغرب، وتشكِّـل الجريمة الكبرى والحقيقية له عند الغرب الاستعماري.
ومن ناحية أخرى، فقد كان رد الفعل العربي على ما جرى ردًّا باهتًا- كعادته مع كل القضايا الكبرى التي تواجه الأمة- وهو رد فعل محبط ويدعو للأسى، ولا يقل ضعفًا عن ردود الفعل حيال احتلال العراق وأفغانستان، وأخيرًا محرقة غزة. وهكذا تتساقط الدول العربية والإسلامية بين أنياب الاستعمار، دولة وراء دولة بينما بقية الدول أشبه بالمصابة بحالة من الشلل منتظرة دورها في السقوط.
---------[/size]